جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

السبت، 30 مارس 2013

الثلاثاء 30 مارس 1977 يوم لا ينسى ( 2 )

http://www.elraees.com/index.php/nasrmosa/item/3822
بقلم اللواء نصر موسى*

فقلت بسرعة ويتلقائية " يهودي مين ..ياولاد .... ..... ينعل .....منك له , أنا مصري إيه اللي حيجيب اليهود هنا دلوقتي ... دي الحرب خلصت من أربع سنين " ..

وهذا أسلوب تعلمناه في حرب أكتوبر إن الشتيمة بالمصرى ممكن تكون دليل الخلاص من الموت ضربا من ولاد بلدك ، وقمت بإخراج المصحف من جيب أوفرول الطيران وقذفت به أمامهم ... مستغفرا الله ـ وبالمناسبة ـ كنا نطير فى ذلك الوقت حاملين الطبنجات فى حمالة تحت الإبط , فقمت بالضغط بذراعي عليها حتى لا تظهر لهم

وإذا بواحد منهم ( وكان المنقذ ) التقط المصحف الشريف من على الأرض وقال بصوت جهوري " إستنا ياوله منك له .......ده مصري بحق ومعاه مصحف فعلا ....... إستنى ياوله إوعى حد يضرب ....."

وياليته مافعل ....... كل من يحمل بيده شيئ رماه على الأرض , وقاموا بالهجوم عليَّ واحد واحد رجالا ونساءا محاولين تقبيلي في كل جزء من وجهي ورأسي إلى أن انعدمت الرؤية من كم اللعاب والريالة التي سالت على وجهي من شدة التكريم المصري الفلاحي السخي ..... مرددين " حجك علينا ياباشا .. حجك علينا " ..

فقلت بإعياء شديد وصعوبة في التنفس من كثرة الأتربة المثارة حولي , كذلك من حالة الإعياء والتعب من جراء القفز من الطائرة والحالة النفسية نتيجة الحادث : " حرام عليكوا يااخوانا أنا مش قادر آخذ نفسى ، " فرد واحد فلوط " أنا مش جولتلكم ملاول يابجر إنه مصري ماصدجتونيش ... أهو طلع مصري " ...

فرد آخر : " يعني إنته الفلوط اللي فينا ... مانى كمان كنت عارف , بس ماجولتش ، " وإذا بثالث بيقول أى كلام ، وإذا برابع يشتمهم والأصوات تعلو وتعلو وانهالت الزغاريد من كل النساء المتجمعين ...... شيئ رهيب .. إزعاج كبير .. هي أطول وأصعب نصف ساعة في هذا اليوم ...

وفجأه ظهر ملازم ملاح / أمير وهو صديق وزميل , يشق الدائرة ومعه ثلاثة آخرون ويصرخ بهستريا : " هو حي .... هو حي " .. فرد واحد من الحاضرين : " الله وكيل  ..
ماعملناله حاجه ........ حي .. حي وزى الفل " .. فقام أمير ومن معه بإزاحة البشر من فوقي فوجدني في حالة نفسية يرثى لها جراء ماحدث بعد الهبوط على الأرض

 لم يقم بتقبيلي وعناقي لمعرفته بأن هذا ربما يشكل خطورة في هذه الحالة بل قام بسؤالي " إنت كويس ... فيك حاجة ..؟ حمدا لله على سلامتك .. " فرديت بصعوبة " الحمد لله أنا كويس مافيش اي كسور بس رقبتي تؤلمني شوية " فرد : " إحنا فاكرينك مانطيتش ..." ... "لأننا فى المطار ماشفناش البراشوط فتح .. بس الحمد لله ... الحمد لله " فقلت له " أصل البراشوط فتح في آخر لحظة على الأرض مباشرة .... أرجوك ياأمير ساعدنى أقوم "........

وقال لي " تقدر تمشي " فرديت " أنا عايز أجري من هنا بسرعة " فقال " تبقى أنت سليم وزى الفل زى ماقال صاحبنا " ، فضحكت وسألته " هو إيه اللى حصل " فرد " إنت ماتعرفش ...... قلت " أعرف .. أعرف أيه ياأمير .. أنا الطيارة إنفجرت بي وولعت وكنت في حالة لا وعي لغاية مانطيت " فرد بحزن شديد " أصل الملازم طيار/ (....... )خبط فيك بطيارته " فرديت باستغراب

" خبط فىّ إزاى ....يعنى تصادم " – (وهذا يعنى Mid Air Collision ) فسألته بسرعه " هو كويس " فرد " إحنا لسه مانعرفش بس هو نط من بدرى بعد التصادم على طول " ...
فقلت " طلعنى من هنا الأول وبعدين أحكيلي "

قمنا بالسير وسط الغيطان حتى وصلنا لمنزل ريفي تحت حراسة (3) من الشرطة العسكرية وتحت حماية مظاهرة من البشر وراءنا حاملين البراشوط ملفوفا وشنطة الإعاشة والتي توفر الإعاشة الكاملة للطيار من ( 4-6 يوم ) وبعض المستلزمات الأخرى التي تخرج مع الكرسي بعد القفز من الطائرة , والتى يطول شرحها الآن .

قام صاحب المنزل بتقديم الواجب , وركبنا العربة الجيب متجهين للمطار , وخلال رحلة العودة قام أمير بسرد ماحصل ....
"" إحنا شفناه داخل عليك من تحت وخبط في الجزء الخلفي من طيارتك (مجموعة الذيل ) ..

إتقسمت طيارتك نصفين ... وبعدين هو نط بالبراشوط وكان قريب جدا من الإنفجار وإشتعل النصف الأمامى اللي انت فيه وهوى للأرض من إرتفاع ( 5 كم ) بسرعة جدا وارتطم بالأرض وإنفجر ولم نَرَ براشوط يدل على إنك نطيت ، وكل الزملاء في المطار لغاية دلوقتي فاكرينك ..............."" وبكى بشدة على نجاتي بإذن الله .. عندها قام بضمي بشده وإختلطت دموعنا .........

ما إن وصلنا المطار وتحية الزملاء فرحة بنجاتي على خلاف ماشاهدوا , سألت على الزميل الآخر فأفاد قائد السرب " هو نط بالبراشوط من بدرى .... ولكن , أصيب عدة إصابات من الشظايا نتيجة إنفجار طائرتك , وهو فى طريقه للمستشفى الآن " .

كنت في حزن شديد لسماع هذه الأخبار ودعوت له بالشفاء العاجل .... وجاء دوري للذهاب لمستشفى القوات الجوية بالعباسية لإجراء الفحوصات اللازمة لما بعد القفز بالكرسى المنطلق .

وأنا في طريقى للمستشفى في عربة الإسعاف , كان هناك شريط ذكريات يدور في رأسي عما حدث , وكيف حدث ؟.. وإزاى أنا نطيت من الطائرة بالأسلوب ده ؟.. وإيه اللىّ كان يحصل لو مالحقتش أنط .. ياساتر يارب .. الحمد لله إنه الهمني في آخر لحظة وكتب لي عمر جديد .. فأجهشت بالبكاء المسموع ..... وتذكرت والدتي ودعاءها لي دائما بالسلامة من كل سوء ، والتي عرفت منها لاحقا .. إنه في اليوم ده كان قلبها مقبوض ، وخصوصا إن عبد الحليم حافظ توفي في هذا اليوم .

وصلت المستشفى , وقام فريق طبي بإجراء الكشف الظاهري وعمل الأشعات الكاملة للاطمئنان .

سألت أحد الدكاترة عن الملازم طيار (........) فقال " هو راح مستشفى المعادى مش موجود هنا .

من عجائب القدر أني سمعت من خلال الراديو بوفاة عبد الحليم حافظ في لندن فى نفس توقيت الحادث , حزنت جدا لوفاته لأني كنت ومازلت أحبه لأنه كان رفيق حرب أكتوبر من خلال أغانيه الوطنية التى كانت تشد من أزرنا وترفع من معنوياتنا خلال فترات حالات الاستعداد للطوارئ ونحن مربوطين فى الطائرات انتظارا للإقلاع أثناء استماع طاقم الطائرة من الفنيين للأخبار من الراديو .

وسوف أقوم بالسرد التاريخى لأيام حرب أكتوبر كما ذكرت من قبل يوم بيوم .

لم يكن أحد يعلم من أهلي بهذا الحادث , خوفا عليهم وكان لابد من ذلك , فقمت بالاتصال بأخي ( علي ) وطمأنته على أنها حادثة أثناء السير بالعربة الجيب داخل المطار , وعند حضوره لم يصدق ماحدث , عندما حكيت له الحادث , وطلبت منه عدم إخبار أحد خصوصا والدتي إلا عندما أخرج من المستشفى وأبلغها بنفسي علشان تصدق إني سليم .

هذا اليوم الثلاثاء الموافق 30 مارس 1977 يوم لاينسى حتى يومنا هذا .... أتذكره كل سنة لأنه ارتبط بوفاة عبد الحليم حافظ والحادث المؤلم وعند إحياء ذكراه فى الإذاعة والتليفزيون , أتذكر هذه الحادثة كأنها حدثت اليوم...........لذلك قررت أن أكتبها لكم اليوم ..في نفس التاريخ , وأؤخر مشوار الحياة ورحلة الذكريات ..

فى يوم الأحد 4 أبريل 77 أي بعد خمسة أيام من الحادث سمعت خبر وفاة الزميل ملازم طيار (.......) وكانت صدمة أخرى ......
ولكن تستمر الحياة .........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق