جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الثلاثاء، 19 مارس 2013

حانوتي خدمة 24 ساعة..وعربة شفط مجارى مكتوب عليها "كيداهم"


http://www.elraees.com/index.php/nabielaboelnaga/item/3355
حانوتي خدمة 24 ساعة..عربة شفط مجارى مكتوب عليها "كيداهم"

بقلم : اللواء نبيل أبو النجا *

في خضم الأحداث الجارية ووسط هذه الموجة العارمة من الحزن على ما يحدث أو بالأحرى ما نحدثه بمصرنا الغالية وأثناء سيرى في الشارع وأنا شارد الذهن مفعم بالأسى محملا بتركة هموم قصمت ظهرى وجعلتني أسير مترنحا وعلى غير هدى , أسير إلى أين وقد ألحقت جماعة تنابلة السلطان بنا كل أنواع التخلف والانهيار والتفكك وشهدنا ما لم نشهده على مر التاريخ والعصور وأكاد لا أصدق أن مصر أم الدنيا قد وصلت بنا ووصلنا بها إلى هذا الحد.
وأثناء سيري وسط هذه الوجوه العابسة التي كنت أراها ضاحكة باسمة وكنت استملح النكات والقفشات ويترك المرء هموم الدنيا وراء ظهره عند سماعها, وكان الناس في أرجاء المعمورة يطلقون على المصري أنه ابن نكتة وظله خفيف وتجد نوادره الطريق إلى قلوب الناس جميعا ويستملحون حديثه, وجدت لافتة على متجر في أحد الشوارع الرئيسية مدون عليه "حانوتي..خدمة 24 ساعة"!!
ظل بصرى معلقا بتلك اللافتة للحظات وتسمرت مكانى وشلت حركتى وانفرجت أساريرى للحظات وانفجرت ضاحكا مداعبا لعامل الحانوت الذي يقف أمامه متمتما " يا أعوذ بالله عليك يا راجل..هوه احنا عاوزينك بالنهار لما عاوز تيجي بالليل كمان" فرد العامل مبتسما وفي خفة ظل وإن كنت أشعر بالقشعريرة وأنا أنظر إليه واقترب منه "يا بيه ده أكل عيش..ربنا يكتر الزباين" بعدت عنه فورا وهرولت مسرعا وأنا أقول "فال الله ولا فالك ياشيخ, وبلاش تبصلي كده بص لحد تاني ياوله", صحيح مصائب قوم عند قوم فوائد, حتى الموت يكون مصدر رزق لآخرين ومهنة يكتسب منها أناس يفتحون بيوتهم من زبائنها - اللهم اجعلنا بعيدين عن حساباتهم وأرزقهم من أوسع الأبواب بعيدا عنا سواء نهاراً أو ليلا وعموما أنا عندي رقم تليفون الحانوتي ده لو حد عاوزه للضرورة!!
وقفت أمام محل عصير قصب لتناول كوباً من العصير لعل الله يطيل في عمري بعد أن جف حلقي ولكن وأنا أرتشف الكوب وأتبادل الحديث مع عامل المحل بصفتي زبون للمحل وجدت عربة شفط مياه مجاري (كسح) قديمة والصدأ يعلوها وحالها عدم وبالكاد تميز أنها سيارة حيث لا أنوار بها ولا أبواب ولا شئ سوى الإطارات وعجلة  القيادة, أما عن البشاير حين الإقتراب منها فحدث ولا حرج فرائحة العطر الجميل تفوح في الهواء وتزكم الأنوف وتشعر بالسعادة حينها وبالإقبال على الحياة والتفاؤل بهذا اليوم المشهود الذي تصادف فيه في خلال دقائق حانوتي 24 ساعة وعربة شفط مجاري.
طبعا سائق السيارة منتشي تماما وصوت المذياع بداخلها يصل صداه لآخر الشارع ويدندن والباشا مساعد السائق يصفق وكأنهما على متن مركبة فضاء وقد حققوا السبق ووصلوا للفضاء الخارجي وهو يصيح " السكة يا باشا..العربية مافيهاش فرامل " وبيخبط بعصا على المتبقي من جسد السيارة موديل 2013 حتى لا يصطدم بأحد وطبعا كله إنسانية ولم لا وهى مهنة شريفة أفضل بكثير من رؤساء وقادة قادوا أوطانهم أقصد أوطاننا للهاوية.
المهم في الموضوع وجدت لوحة على مؤخرة الفنطاس مكتوب عليها " ما تبصليش  بعين ردية كفاية اللي اندفع فيه !!" والتففت حول السيارة ووجدت على مقدمتها أو الباقي منها "كيداهم", ساعتها أيقنت أن هذا الشعب المكافح الذي لا يعرف حكامه قدره وقوته قادر على أن يتحمل كل شئ ولن يموت ولن يستسلم أبدا فالروح التي بداخله عندما تتفجر تصنع المعجزات ولقد عاصرنا ذلك في حرب العاشر من رمضان/أكتوبر 73 حيث دحر المصريون الولاية (51 الأمريكية) المسماة بدويلة إسرائيل وواجهوا الترسانة الأمريكية المدججة بأحدث التكنولوجيا في العالم بأبسط الأسلحة ولكن ظل سلاح حب مصر والانتماء لها أقوى من هيروشيما وناجازاكي وكل قنابل الأمريكان النووية والهيدروجينية.
انهضى يا مصر, اصحي يا أمى الغالية, لن تموتى أبدا فنحن فداؤك, قولى للجماعة التي لا تعرف قدرك إن قدرك هو منزلة العزة والكرامة لشعب يرسم البسمة على قلوب الآخرين وسط أحزانه وشجونه وحذارى من اللعب بالنار لأن هذا الشعب انتماؤه لله وليس لأحد غيره لأنه لا يشرك بربه أحدا, فلا مرشد ولا وسيط ولا فضل لإنسان على إنسان إلا بالتقوى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق