جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الأربعاء، 13 مارس 2013

إنسانيات "4" - الإنسـان مخير .. أم مسير؟!


http://www.elraees.com/index.php/ahmedragaey/item/3169
إنسانيات - 4
   
الإنسـان مخير .. أم مسير؟!

بقلم فارس السيف والقلم :
اللواء أحمد رجائى عطية

كسائر البشر فإن هذه القضية تشغلنى على فترات طوال حياتى – وإن كانت فى أحيان كثيرة لا تعنينى كقضية .. حيث إنى من نوعية البشر المحبة لاتخاذ القرار وبشكل تلقائى وفورى .. ولكن لفت نظرى الفئة الكثيرة من البشر الاتكاليين والتى لديها رغبة داخلية أن الإنسان مسير حتى أن الخيار فى حد ذاته مسير فى أنه اختار .. لأن الإنسان بطبيعته لديه رغبة دائمة فى نفض أو تعليق أى خطأ أو فشل عن كاهله أو على شماعة الأقدار .. أما إذا أصاب فى قراره فإنه يشيد بين نفسه وذويه على حسن اختياره.
وقد اجتهدت مؤخرا فيمن هو المخير من المسير .. وبدا لى أن الإنسان بين المخير والمسير – إلا أن عنصر القدر نسف كل ما تم التفكير فيه.
كما أن المثال الحى ومنذ بدء الخليقة .. هو عندما وضع الله لآدم وحواء فى جنتهم الشجرة الممنوعة وترك لهم الاختيار .. فاختاروا ما حرمه الله واختاروا الشعبة المكروهة من النهج .. حيث اتبعا كلام الشيطان الذى أقسـم إلى الله (قال فبعزتك لأغونيهم أجمعين) سورة ص الآية (82).
كذلك وجدت المفتاح لهذه الحيرة فى القرآن الكريم نفسه .. وفى أسماء الله الحسنى.
فأسماء الله كلها وهى مجمعة من القرآن الكريم فى وصف الله لنفسه .. وكلها تدل على صفات الله فى بعض الكلمات .. وفى أخرى .. تدل على الإلهية فى الثواب والعقاب .. وفى أخرى القدرة الإلهية اللامنتاهية.
ولكن لم أجد بينهم أنه المخير .. أو المسير– بل ترك الإنسان هو الذى يختار ويسير نفسه .. حتى أنه أوصى فى قرآنه الكريم أن لاهيمنة من إنسان على إنسان حتى لو كان نبياً .. وذلك فى قوله: (فذكر إنما أنت مذكر ليست عليهم بمسيطر) سورة الغاشية أية (21/22) ومن أسماء الله ما يحب الله أن يوصف بها عبده مثل الرحيم والكريم .. ومنها ما يذم العبد أن وُصف بها.. بل نهى الله عنـها وخص نفسه بها للحساب والمقادير .. مثل المعز والمـذل أو الجبـار أو المتكبر .. وترك للإنسـان شعبة النهج الذى يختارها.
كما وصف الله نفسه بالسميع والبصير والعليم والحسيب – وهى مقدرة الله على أنه ما من ورقة تسقط على الأرض إلا ويعلمها الله وأنه هو الذى يحاسب العبـد على ما فعله .. وترك الفعـل للإنسان واحتفظ لنفسه بالمحاسبة على فعل واختيار الإنسان. ولكن الله هو الهادى فأنزل فى قرآنه الكريم ما يهدى الإنسان فى حياته وهو العادل والحق فى حسابه والغفور والصبور على عباده وهناك من صفات الله ما هو واقع من الله فى حياة الإنسان .. وما هو يوصف بإرادة الله أو قدرته مثل القدير والمقتدر – وليس هناك ما هو أدل على صدق ذلك مما هو مذكور فى قصة سيدنا الخضر مع سيدنا موسى .. والتى لم يقدر على نبى أن يطيق صبرا.. حتى أخبره سيدنا الخضر بما وراء كل واقعة أو فعل تم بإرادة الله وهو يمثل القدر أو مشيئة الله وفى هذه الحالة هى كلمة من الله أو قدر وضعها الله للإنسان وعليه بعد ذلك أن يختار .. وإن اختار فيجب أن يختار لصفة المناسبة من أسماء الله ومن هذه الأسماء ما هو مناسب للإنسانية ومنها ما هو يخص الله وحده فالله لا يكره أن تكون .. الرحيم ولا الصبور والغفور أو المعز .. ولكنه يكره فى الإنسان ما يخصه هو وحده فى صفاته كالمذل أو المتكبر والجبار وغيره - حتى فى ذلك ترك الله الإنسان أن يختار وأوضح ذلك الله فى قوله تعالى: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) سورة فصلت الآية (46).
نهج الاختيار .. ولكن هل الإنسان وهو مخير .. ما هو البساط الذى ينتهجه فى اختياره .. فإن الصفات التى تحلى بها الإنسان من خيارات آداب القرآن الكريم وتعاليمه وعلاقـة الإنسان بربه من روحانيات هى التى تحدد خيار الإنسان وتعطيه الإلهام بما يفعل ولا يفعل وفى هذه الحـالة فهو مخير أيضاً لأنه هو الذى اختار شعبة المنهج الذى يسـير عليه..  وهو ما نصفه بأنه ملهم .. لأنه بالتأكيد ما يحمله الإنسان من صفات تؤثر على اختياراته.
أما فى مقولة الناس أن الإنسان مولود ومعه كتابه وأن كل شئ مكتوب على جبينه معتمدا على هامش التفسير للآيات، فإن كل المعانى والدلالات تدل على أن الكتاب لكل إنسان هو فى يوم الحساب وعمله هو الذى يحاسبه الله عليه وليس سابق ليوم مولده كما يفسر البعض. قال تعالى: (اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) سورة الإسراء الآية (14) .. وإلا ما كان هناك حساب فى الآخرة وجنة ونار أو ثواب وعقاب فى الحياة الدنيا, لكن الأقدار هى التى تسبق مولد الإنسان طوال حياته – وقد احتفظ الله بأقداره ومشيئته – وضرب عليها بألا علم إلا له وحده وهذا هو كتابه فى الدنيا وهذا هو قدره .. وهو خلق الإنسان من ذكر وأنثى وأين ولد وبأى أرض يموت أو أعطاء الحياة أو قبضها قال تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى) سورة الإسراء آية (85). فهو المحى والمميت وغيرها من الأقدار التى توضع للإنسان فى حياته .. وهى خصوصيات إلهية لكافة الأنام شاملة كل المواقف التى يتعرض لها الإنسان وعليه أن يختار – حتى الإنسان لا يملك أن يغير فيها وخاصة المكروه منها .. غير أن يقول "اللهم إنى لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه".
خلق الله آدم وحواء وأنزلهما الأرض وظلا على علاقة بالله هما وأنجالهما وأحفادهما .. ومرت أحقاب طويلة .. ضلت الناس وتناسوا طريق الله .. وعندما أراد الله هدايتهم .. وكان ذلك من خلال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام الذى شط عن آلهة ذويه.. بأن اتجه إلى القوة التى تحرك الكون فتبادلت اختياراته بين النجوم والقمر والشمس بعيداً عن التماثيل التى يعبدها آباؤه ولكنه ألهم بأن هناك قوة فوق كل ذلك وهو الله ذو العرش المتين ونطقها باسم (يل) وأطلق اسم (إسماع يل) على أول مولود له (إسماعيل) .. أى المنصت إلى الله وأرشـده الله إلى الطريق القويم وأعطاه الذرية الصالحة والتى حملت عبر العصور التذكرة بالله .. إلى أن وصلت لموسى وعيسى من خلال المعجزات – وانتهت بسيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام بأن ألقى على عباده كامل أحكامه وعلمه وبيانه فى القرآن الكريم وهو الجامع لما أقره الله فى الكون من سماوات وأرض ومخلوقات من إنـس وجن وحيوان ونبات قال تعالى: (الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان) سورة الرحمن آية (1/4).. وتعهد الله على نفسه بحفظه كما قال فى كتابة العزيز: (إنا نحن نزلنا  الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر آية (9). وحتى الذين ضلوا المعرفة بالله من قبل الرسل .. هل يكون حسابهم فى الدنيا والآخرة عذاباً .. لا بل إن نهج الاختيار .. هى التى سيحاسبهم الله عليها .. "وما ربك بظلام للعبيد" قال تعالى: (من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها). سورة الإسراء الآية (15).
آداب الاختيار .. وعلى البشرية جمعاء أن تختار بين الحق والباطل وعلى الله الثواب والعقاب فى الدنيا والآخرة – وكلما تقربت للحق واخترته منهجًا فى حياتك تقرب الله لك برحمته فى الدنيا ورضوانه فى الآخرة.
وأينما اخترت الباطل فى المنهج .. فقد ضللت الطريق – وهو ما يسمى بآداب الاختيار.
إذا وفقنى الله فى دفع حقيقة الإنسان مخير أم مسير وهدانى إلى أن الإنسان مخير .. وقد أكون على صواب أو خطأ ولكن هل للاختيار منهج فقط؟ أقول لا .. بل هناك آداب لاختيار المنهج . بل إن أدب الاختيار نفسه له شقين وهو المحمود والمكروه. فإن الإنسان إذا أراد فعل الشئ أو حتى التفكير فى ترتيب ذلك ولم يذكر بين نفسه أو بين الناس بقول إن شاء الله .. فسيكون من العسير أن ينفذ ذلك المخطط أو التفكير – لأن الله هو المهيمن – إذا دعا طلباً من الله بالتوفيق .. فهو السميع والمجيب .. وفى قول الله تعالى: (ولا تقولن لشىء إنى فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) سورة الكهف الآية (23/24) تماما مثلما يأكل الإنسان فيجب أن يذكر اسم الله عليها قال تعالى: (فاذكروا اسم الله عليها صواف) سورة الحج الآية (36) ويشكر الله بعد طعامه فهو يحب عبده الشكور .. وهو أحد أسماء الله الذى يجب أن يتحلى به عبده.
كما بين الله فى كتابه الآداب السليمة فى اختياره للمنهج.. أوضح كذلك المذموم فى النهج عندما قال الله تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان) سورة النور الآية (21) .. (ولا تمش فى الأرض مرحا) سورة لقمان الآية (18).. (ومن يوق شح نفسه) سورة الحشر الآية (9) .. (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) سورة الإسـراء الآية(27)  ..(ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) سورة الإسراء الآية (29).
وقد أعطانا الله أمثلة من حياتنا فى البشر فى الثواب والعقاب لرد الفعل .. وبقدرته الإلهية بأن أجزم مسبقاً فى الثواب والعقاب لعلمه بما سوف يفعله البشر ويختار .. ففى الثواب وعد الشهداء بالجنة وكذلك من مات عن عرضه أو ماله – كما أنزل الله بشراه إلى آل ياسر عن طريق الرسول .. فى قول سـيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وفى العقاب عندما أنزل فى آياته الكريمة بعقاب أبى لهب فى الدنيـا والآخرة قال تعالى: (تبت يدا أبى لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نـاراً ذات لهـب وامرأته حمالة الحطب فى جيدها حبل من مسد) سورة المسد.
رغم أن الله يقبل التوبة لكنه فى هذه الآية يظهر الله علمه بما سيختاره أبو لهب وامرأته – رغم أن عكرمـة بن أبى جهل أو أبو سفيان أو غيرهما لم ينوه عنهم لعلمه المسبق أن الله سيفتح عليهم فى يوم من الأيام بالإسلام وأنه سيكون هذا اختيارهم .. لما سيحملهم بعد ذلك من أقدار.
وأخيرا.. إذا اتبع الإنسان ما أتى به الله من أسمائه وهى تسعة وتسعون اسما وربط ما يسمح الله لعباده بأن يوصف به .. ويتبع ما يفسره فى آيات الله بالقرآن الكريم – وما خص الله به نفسه وتفسير ذلك بالآيات الكريمة .. فإن الإنسـان سـيعرف تماما هل هو مسير أم مخير .. وما يتبعه من نهج.
إن للإنسان فى حياته اليومية وقائع كثيرة .. وعليه أن يختار – إن هذه الوقائع هى مقدرات العزيز الحكيم وعلى الإنسان أن يختار. ولكن الله يهدى من يشاء ويضل من يشاء.
ولكن على أى أساس يهدى الله أو يضل عباده .. فإن الإنسان الذى يتبع  الصفات الحميدة الذى ذكرها الله فى كتابه العزيز والتى يدعو إليها عباده الصالحين مثل القناعة والأمانة والتواضع والصبر والعفة عن النزوات .. وغيرها كثير.
فإن الله يهدى العبد إلى ظلمات الطريق القويم .. ويكافئه على سلوكه وعلى اختياره .. بل وفى بعض الأحيان يعتقد الإنسان انه وقع فى مكروه .. ولكن الله يكون قد كافأه وهداه ولكن بشكل غـير مباشر كما فى قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم .. ) سورة البقرة (216).
إما إذا اتبع الإنسان خطوات الشيطان وهى ما نهى الله عنها فى كتابه العزيز مثل الجشع والحقد والغيرة والغيبة والطمع والتعالى .. فإن الله يضل عبده عن فعل ما هو خير له (وعسى أن تحبوا شيئا وهو شرٌ لكم ..) سورة البقرة الآية (216).
بل إنه لا يكفى أن يختار الإنسان النهج السليم فقط .. بل يجب أن يدعو الله فى أن يوفقه أو فى نجاته .. فإن المثال فى دعوة سيدنا يونس وهو فى ظلمات بطن الحوت .. يبين عظمة الله فى الاستجابة لمن يتقرب له .. (فهو المجيب الواسع الحليم الودود). وفى هذا كله هو حساب الله فى الدنيا والآخرة .. فهو المقيت والرقيب والمحصى والحسيب والغفور والمنتقم الجبار.
إن الاختيار .. هو فن وأصول التعامل مع من حولك فى الله.
وما أروع القرآن عندما وصف الأقدار والمواقف فى حياة الإنسان وكأنها طائر يتحرك فى سماء الإنسـان يسجـل الإنسان بها كتـابه للمحاسبة يوم القيامة – والأمر الربـانى بأن يقـر الإنسان حيـاته .. حيث لا حسيب على النفس فى كل لحظة إلا الإنسـان نفسـه وذلك فى قـوله الله تعالى: (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقـه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورًا. اقر كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) سورة الإسراء الآية (13/14).
 حكمة :
 إذا كان الإنســان .. مخيراً .. فإن الاختيـار ..
هـو فن وأصــول التعامل مـع من حـولك .. فـى الله.

أحمد رجائى عطية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق