جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الأحد، 10 مارس 2013

بهية... والعبقرية الأمنية


http://elraees.com/index.php/mustafa-miligy/item/3054
بقلم الكاتب والخبير الأمني

مصطفى المليجي

قدر لهذا الجيل الذي يعيش في مصر أم الدنيا ، وفي القاهرة ملكة المدن العربية ، أن يرى حكمة من حكم الزمان ، وهي سقوط نظام فاسد عاث في الأرض فساداً ثلاثين عاماً، وصعود معارضيه من السجون إلى سدة الحكم .

ومن الحكمة أن نقرأ الحكمة ، وندرسها ، ونتأملها ، فقد حان الوقت ، لقراءة متأنية في مشاهد العنف ، والشراسة باحثين عن أسباب سيطرة الحقد الأسود ، والبلطجة ، ومظاهرات العصيان المدني ، التي لا مبرر لها ، ولا مثيل لها في دول العالم ، إلا عرقلة مساعي الحكومة لإنقاذ الاقتصاد الوطني ، وتكبيدنا خسائر فادحة ، لنندفع نحو طريق مظلم ، ونلقي بأنفسنا في مستنقع الكراهية ، والانقسام ، ونصبح ذات صباح قريب لنجد مصر بؤرة لتهريب المخدرات ، وتجارة السلاح ، أو نصبح صومال أخرى ، وقتها سنندم حيث لا ينفع الندم ، ونغني مع أم كلثوم "تفيد بإيه يا ندم ، وتعمل إيه يا عتاب ؟" .

ألم يحن الوقت الذي يجب أن نبعد فيه عن أهوائنا ، وانتماءاتنا الحزبية ، وعن تحقيق أهدافنا الشخصية ، ونواجه بإخلاص وشجاعة هذه الفوضى المدمرة ، التي تعوق تقدمنا إن كنا في طريقنا لبناء الجمهورية الثانية ، لنواجه بأساليب أمنية عنيفة متشددة ، هذه الفوضى الممنهجة ، والمقصودة ، والتي تجاوزت كل الحدود .

وليس أدل على ذلك من الطريقة التي تم بها حرق مبنى اتحاد الكرة ، وسرقة محتوياته وتاريخه ، وحرق الذكريات السعيدة لضباط الشرطة ، وتدمير ناديهم ، في تزامن واحد ، على أثر حكم قضائي لاقى ارتياحاً ، لدى عائلات شهداء الألتراس ، وهو فعلاً عنوان الحقيقة .

وأجزم أن السبب الرئيسي لهذه الفوضى ، هو غياب أجهزة الأمن ، التي استهدفها البلطجية من الثوار ، وأهمها جهاز مباحث أمن الدولة ، حيث كان من المفروض في دولة كبيرة مثل مصر أن يظل يعمل ، بعد سقوط النظام ، بقيادة جديدة ، كجهاز للمعلومات ، ويساهم في تحقيق أهداف الثورة ، وفي معرفة أماكن اختفاء ثروات النظام القديم ، لكن الأيادي المرتعشة ، أو الأيادي المتآمرة سارعت بإبعاده عن الساحة ، وشلت يديه ، ومنعته من التدخل في أمور كثيرة ، وبقي ضباطه بلا عمل ، لا يتدخلون في شيء مما يدور حولهم ، ولا يؤخذ برأيهم .

وقد أدى هذا إلى فقدان الأمن ، ولم تعد الشرطة قادرة على تحقيقه حتى لنفسها ، وهي التي كانت ولا تزال ، تؤدي رسالتها السامية ، لمنع الجريمة ، وضبطها بعد وقوعها ، وتقديم مرتكبيها للعدالة ، وكفالة الأمن للمواطنين ، وحفظ النظام العام ، والآداب ، وحماية الأرواح والأعراض والأموال .

تراجعت الشرطة شيئاً فشيئاً عن تأدية رسالتها المقدسة ، بسبب واقعها المؤلم ، فقد فقدت منذ الثورة حتى الآن ما يقرب من مئتي شهيد ، وأصيب ما يقرب من خمسة آلاف آخرين ، وحُرقت خمسة آلاف سيارة ، وحُرق مئة وعشرون قسم شرطة ، بالإضافة إلى انهيار معنويات أبنائها ، واعتراف قيادي سياسي أثناء الثورة بأنه وجماعته هم الذين أسقطوا الشرطة ، ومستعدون أن يسقطوها مرة ثانية وثالثة ، بالإضافة إلى التصريحات المتوالية لكل من هب ودب ، عن ضرورة هيكلة الشرطة ، وتطهيرها ، ظناً من البعض أنها لا تزال تعمل ضد فصيل ما .

وأصبحت القضية في حقيقتها تصفية حسابات ، وأدى ذلك إلى عدم وضوح الرؤية ، فيما نراه ونسمعه ، ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهي الأيادي المرتعشة التي تريد أن يواجه رجال الشرطة العنف بالدخان، وأن يتجرد الضباط من السلاح .

أي عبقرية أمنية وسياسية التي تأمر الشرطة ، أن تتلقى الأحجار ، والإهانات ، على رأسها ، وتسمح للبلطجي أن يحمل السلاح ، ليموت شهيداً ، أو يصبح مصاب ثورة ، أو ناشط سياسي .

أي عبقرية أمنية وسياسية التي تأمر الشرطة بالكر والفر ، والتخاذل في مواجهة صبية مصرين على حرق مصر ، ولا توجد خطة محكمة للقبض عليهم ، واعتقالهم اعتقالاً جنائياً ، وقانون الطوارئ يسمح بذلك .

أي عبقرية أمنية وسياسية التي لم تأمر حتى الآن بملاحقة البلطجية في بيوتهم ، ومصادرة الأسلحة التي بحوزتهم ، حتى لا يستهدفوا رجال الشرطة فتنهار بمباركة الإعلاميين عملاء منظمات حقوق الإنسان وتنهار مصر إثر ذلك .

نحن في حاجة إلى عبقرية أمنية سياسية ، لا تنحاز إلا لأمن مصر ، تحترم رجال الشرطة ، ورسالتهم السامية ، وتذكرهم دائماً أن مصر الجريحة ، في حاجة إلى جهودهم المخلصة ، وإلى ضمائرهم الحية ، التي تمنعهم أن يتركوا مواقعهم للقتلة ، والفاسدين ، والباعة المتجولين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق