http://elraees.com/index.php/mustafa-miligy/item/3054
بقلم الكاتب والخبير الأمني
مصطفى المليجي
قدر لهذا
الجيل الذي يعيش في مصر أم الدنيا ، وفي القاهرة ملكة المدن العربية ، أن
يرى حكمة من حكم الزمان ، وهي سقوط نظام فاسد عاث في الأرض فساداً ثلاثين
عاماً، وصعود معارضيه من السجون إلى سدة الحكم .
ومن الحكمة أن
نقرأ الحكمة ، وندرسها ، ونتأملها ، فقد حان الوقت ، لقراءة متأنية في
مشاهد العنف ، والشراسة باحثين عن أسباب سيطرة الحقد الأسود ، والبلطجة ،
ومظاهرات العصيان المدني ، التي لا مبرر
لها ، ولا مثيل لها في دول العالم ، إلا عرقلة مساعي الحكومة لإنقاذ
الاقتصاد الوطني ، وتكبيدنا خسائر فادحة ، لنندفع نحو طريق مظلم ، ونلقي
بأنفسنا في مستنقع الكراهية ، والانقسام ، ونصبح ذات صباح قريب لنجد مصر
بؤرة لتهريب المخدرات ، وتجارة السلاح ، أو نصبح صومال أخرى ، وقتها سنندم
حيث لا ينفع الندم ، ونغني مع أم كلثوم "تفيد بإيه يا ندم ، وتعمل إيه يا
عتاب ؟" .
ألم يحن الوقت
الذي يجب أن نبعد فيه عن أهوائنا ، وانتماءاتنا الحزبية ، وعن تحقيق
أهدافنا الشخصية ، ونواجه بإخلاص وشجاعة هذه الفوضى المدمرة ، التي تعوق
تقدمنا إن كنا في طريقنا لبناء الجمهورية الثانية ، لنواجه بأساليب أمنية
عنيفة متشددة ، هذه الفوضى الممنهجة ، والمقصودة ، والتي تجاوزت كل الحدود .
وليس أدل على ذلك من الطريقة التي تم بها حرق مبنى اتحاد الكرة
، وسرقة محتوياته وتاريخه ، وحرق الذكريات السعيدة لضباط الشرطة ، وتدمير
ناديهم ، في تزامن واحد ، على أثر حكم قضائي لاقى ارتياحاً ، لدى عائلات
شهداء الألتراس ، وهو فعلاً عنوان الحقيقة .
وأجزم أن السبب
الرئيسي لهذه الفوضى ، هو غياب أجهزة الأمن ، التي استهدفها البلطجية من
الثوار ، وأهمها جهاز مباحث أمن الدولة ، حيث كان من المفروض في دولة كبيرة
مثل مصر أن يظل يعمل ، بعد سقوط النظام ، بقيادة جديدة ، كجهاز للمعلومات ،
ويساهم في تحقيق أهداف الثورة ، وفي معرفة أماكن اختفاء ثروات النظام
القديم ، لكن الأيادي المرتعشة ، أو الأيادي المتآمرة سارعت بإبعاده عن
الساحة ، وشلت يديه ، ومنعته من التدخل في أمور كثيرة ، وبقي ضباطه بلا عمل
، لا يتدخلون في شيء مما يدور حولهم ، ولا يؤخذ برأيهم .
وقد أدى هذا
إلى فقدان الأمن ، ولم تعد الشرطة قادرة على تحقيقه حتى لنفسها ، وهي التي
كانت ولا تزال ، تؤدي رسالتها السامية ، لمنع الجريمة ، وضبطها بعد وقوعها ،
وتقديم مرتكبيها للعدالة ، وكفالة الأمن للمواطنين ، وحفظ النظام العام ،
والآداب ، وحماية الأرواح والأعراض والأموال .
تراجعت الشرطة
شيئاً فشيئاً عن تأدية رسالتها المقدسة ، بسبب واقعها المؤلم ، فقد فقدت
منذ الثورة حتى الآن ما يقرب من مئتي شهيد ، وأصيب ما يقرب من خمسة آلاف
آخرين ، وحُرقت خمسة آلاف سيارة ، وحُرق مئة وعشرون قسم شرطة ، بالإضافة
إلى انهيار معنويات أبنائها ، واعتراف قيادي سياسي أثناء الثورة بأنه
وجماعته هم الذين أسقطوا الشرطة ، ومستعدون أن يسقطوها مرة ثانية وثالثة ،
بالإضافة إلى التصريحات المتوالية لكل من هب ودب ، عن ضرورة هيكلة الشرطة ،
وتطهيرها ، ظناً من البعض أنها لا تزال تعمل ضد فصيل ما .
وأصبحت القضية
في حقيقتها تصفية حسابات ، وأدى ذلك إلى عدم وضوح الرؤية ، فيما نراه
ونسمعه ، ثم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، وهي الأيادي المرتعشة التي
تريد أن يواجه رجال الشرطة العنف بالدخان، وأن يتجرد الضباط من السلاح .
أي عبقرية
أمنية وسياسية التي تأمر الشرطة ، أن تتلقى الأحجار ، والإهانات ، على
رأسها ، وتسمح للبلطجي أن يحمل السلاح ، ليموت شهيداً ، أو يصبح مصاب ثورة ،
أو ناشط سياسي .
أي عبقرية
أمنية وسياسية التي تأمر الشرطة بالكر والفر ، والتخاذل في مواجهة صبية
مصرين على حرق مصر ، ولا توجد خطة محكمة للقبض عليهم ، واعتقالهم اعتقالاً
جنائياً ، وقانون الطوارئ يسمح بذلك .
أي عبقرية
أمنية وسياسية التي لم تأمر حتى الآن بملاحقة البلطجية في بيوتهم ، ومصادرة
الأسلحة التي بحوزتهم ، حتى لا يستهدفوا رجال الشرطة فتنهار بمباركة
الإعلاميين عملاء منظمات حقوق الإنسان وتنهار مصر إثر ذلك .
نحن في حاجة
إلى عبقرية أمنية سياسية ، لا تنحاز إلا لأمن مصر ، تحترم رجال الشرطة ،
ورسالتهم السامية ، وتذكرهم دائماً أن مصر الجريحة ، في حاجة إلى جهودهم
المخلصة ، وإلى ضمائرهم الحية ، التي تمنعهم أن يتركوا مواقعهم للقتلة ،
والفاسدين ، والباعة المتجولين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق