جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الاثنين، 11 مارس 2013

المـــوت دفاعــا عـن المبــدأ !!


http://elraees.com/index.php/mian/opinions/item/3078
بقلم أ.د : سامية خضر
    

كان الأديب المعروف قد قطع شوطا طويلا فى عالم الشهرة فقد تربى وسط أسرة يعمل أفرادها بمهنة الكتابة .. وسرعان ما شرب وارتوى نما فكره الموزون بعبارات التنسيق والتنميق والخيال الهارب إلى دنيا الواقع وامتلأ هذا الفكر بالوقار البعيد عن الرعونة والتسرع .. وعلى خطوات تجارب الغير مما سبقوه استطاع أن يميز الأدوار الأصيلة غير الزائفة التى تدفع به إلى عالم الأضواء .

عـرف أن الاستقرار العائلى جزء من الاستقرار الفكرى .. اختار إحدى قريباته لتكون شريكه لحياته الطويلة الممتدة .. أثمر زواجه عن ابنة وابن لم يشعر طوال حياته بمتاعبهما، كانت وظيفته الأبوية الوحيدة التسلية والترفيه عن الذات بالجلوس معهما لفترات قصيرة فى وسط الأسبوع ينفض عن نفسه الشظايا المربكة من أشعة الضوء الجماهيرى ليرتاح داخل عيون تتلهف على كلمة فى أوتوجراف أو قبلات طائرة فى الجو أو مجرد إلقاء نظرة أو ابتسامة..

ذاع صيته وملأ الأرجاء وكبر طفلاه واحتفل بخطبة إبنته وشعر إنه حقق كل شىء، كل ما كان يصبو إليه فى حياته..
نعم .. قليل هم من يستطيعون أن يرسموا لحياتهم أهدافا واضحة فى سن مبكرة وينالون من الهدف أقصاه .. وكثيرا مما بلغوا الشيب يضلون الطريق السليم ويتمنون لو رجعت أيام الصبا ليرتشفوا من تجاربهم ويتبينوا المنهج الصحيح .. أما هو فكان من بين هؤلاء الأفراد النادرين الفخورين بأنهم حققوا أحلامهم لأن الرؤية المبكرة كانت من نصيبهم.

وككل ثلاثاء من كل أسبوع بدأ أحمد يفرد فى قراءة خطابات جماهير المعجبين به وبكل ما يكتب .. ولفت نظره ظرف أزرق ناعم رأى مثله كثيرا.. فامتدت يده إليه .. يسبقه نسيم عطره ليملأ أنفاسه فيرضى غرور الأديب فيه.

تشابكت وريقات الخطاب الرقيق .. التقط بعينيه التوقيع إنه إسم أنثى كما تنبأ، زادت نشوته وهو يبدأ فى مسح سريع للجمل الأنيقة المرصوصة بعناية فائقة كأنها حبات من الفصوص اللامعة حول سوار مصنوع ومغلف بشفافية رقيقة.. لكن شعوره تحول حين اكتشف أن الحبات النادرة.. ما هى إلا دموع ساخنة وصرخات مكتومة وزاعقة.

كتبت صاحبة الخطاب تقول : سيدى الأديب المشهور لا أنكر أننى قد أعجبت بك فى فترة من فترات حياتى .. فقد استطعت أن تستحوذ على إعجاب جمهور عريض من كل الأعمار ومن المراهقين والمراهقات من الفتيان والفتيات والأكثر من البنات فما بال بى أنا فأنت تدافع عن قضايا حرية الرأى فى كل المجالات وفى كل الأوقات وكل الظروف .

ولكننى أصارحك يا سيدى أننى حينما كبرت ونضجت تأكدت أنك مجرد تاجر مثل كل التجار. تعمل على تجميل بضاعتك لكى تبيعها فتكسب وتعيش حياتك الرغدة.. تركب كل الموجات.. تطلق كل الأصوات .. تصل إلى كل الهامات .. تبنى وتدمر كل ذلك فى لحظات.

عرفت أيضا يا سيدى أن ذلك هو مفتاح تواجدك المستمر على الساحة، فالكبير عندك يعمل على أن يظل المحروم من إبداء الرأى محروما وصغيرا فى كل شىء حتى تنعم أنت وأمثالك بكل النعم ولا فرق فى ذلك بين رجل وامرأة. وسأذكر لك عدة أدلة حتى تتأكد من كلامى هذا.

هل تذكر يا سيدى وقت إندلاع غضب الطلبة فى الجامعات؟ كنا جميعا نطالب بحرية إبداء الرأى وكتابته فى مجلة الحائط. وهل تذكر وقتها ماذا كان رأيك؟ إذا كنت قد نسيته .. فإنى أكرره لك حيث كنت من أنصار الرأى القائل :
اتركوا لهم حرية الكتابة فإنها كفيلة بتسريب الضغط الثورى عند الشباب وهى أدخنه مآلها الزوال .. وعندما كتبت لك .. أقول إننى أبكى ليل نهار لأن أهلى يرغموننى على الزواج بشاب لا أطيقه رغم حبى لشاب آخر وأن أبى لا يجد الوقت ليحاورنى فى أوامره التى تحولت إلى قضبان من القيود وضعها فى يدى. 

كان قولك المقتضب: لا بأس يا فتاتى فالكبار أعلم بمصلحتك.
وتأكدت وقتها يا سيدى أن الدنيا عندك مجرد لعبه تستخدم فيها حرية الرأى غير الموجود .. والثائر عندك مجرد طفل ينام بعد بكاء طويل .. والحب عندك مجرد وسيلة تربح بها أموال طائلة .. والشهرة عندك ساعة يد عرفت كيف تضبط عقاربها.

عرفك الجميع يا سيدى من كلماتك المتناثرة التى تخرج بها علينا كل صباح فى الجريدة.. وسرعان ما تجمعها فى كتاب أنيق لتوزعها .. لقد عشت يا سيدى تجسد إشكاليات فكرية تتعمد زيادة العقد فيها دون أن تبحث لها عن حلول، تطعمها بالإيحاءات المثيرة أحيانا دون أن تراعى مشاعر الصبايا، تتكلم دائما عن الحب الكبير دون أن تعلم ما هو الحب .. تؤكد على تراب الوطن وأنت غافل عن معنى الوطنية .

ضقت ذرعا بك يا سيدى وبغيرك من الذين يخلقون لحياتنا كل يوم مزيدا من السحب فى السماء، لا نطول منها أبدا سوى رذاذ من الكلمات، تدخل من خلالها فى حروب لتؤكد من جديد طول هامتك على كل الساحات، وتترك الجميع بلا مأوى فكرى حقيقى تدافع فيه عن مصداقية المبدأ وحرية الحوار، والحقيقة أنك بلا مبدأ وترفض كل الحوارات، وتقفز فى كل العربات وتجلس فى كل الأمكنة وتتفتح لك كل الأبواب.

عندما يصلك خطابى هذا يا سيدى ستتأكد أنك أكثر من مثلت إزدواجية
الأقوال والأفعال .. وسأكون قد انتقلت أنا للعالم الآخر دفاعا عن إيمانى بمبدأ لا أرضى أن أغيره وأتمنى أن يكون ذلك درسا لك تكتب ما تؤمن به وليس لمزيد من الدعاية التجارية .. نعم سأرحل بعيدا وأنا أضع بجانبى أحدث كتاب ظهر لك فى الأسواق وهو بعنوان ..
"الموت دفاعا عن المبدأ".
وذيلت الخطاب بكلمة : 
وداعا يا أغلى حبيب .
قرأ الرجل الخطاب وقد تعكر مزاجه .. لكنه أخذ فى تناول خطابات أخرى بسرعة وبطريقة عشوائية وبعصبية لم يعهدها فى نفسه .. لعله بذلك ينسى هجوم إحدى الفتيات وفى صباح اليوم التالى .. قرأ عنواناً فى الجريدة اليومية والمعتاد وضعها على مكتبه يقول: انتحار ابنة الأديب المشهور أحمد حمدى فى منتجعه الشتوى .. وبجانبها أحدث كتبه ..
"الموت دفاعا عن المبدأ"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق