جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الأربعاء، 20 مارس 2013

أدمغة وروابط


http://www.elraees.com/index.php/mustafa-miligy/item/3398'
بقلم الكاتب والخبير الأمني

مصطفى المليجي

وسط الفوضى التي تتصدر المشهد السياسي في مصر وظهور حالات الشك والريبة، وفقدان الثقة، وتصاعد حملات ضارية على رجال الشرطة، غضبوا وتذمروا، ونسوا رسالتهم المقدسة، واضربوا عن العمل، وأغلقوا مقارهم بالجنازير، وشعر الناس بالخوف والإحباط.

وهللت وسائل الإعلام، التي لا تزال تلعب دورها المشبوه بحرفية شديدة، وعلى الفضائيات أعلن الرجال مطالبهم المشروعة، العدالة، والتسليح، وإبعادهم عن السياسة، وتحديد استراتيجيات واضحة لعملهم الأمني في هذه المرحلة، والمراحل القادمة.

ثلاثة أيام، وانتهت الأزمة، وعاد الرجال إلى مواقعهم.

ورب ضارة نافعة. فقد بين الإضراب للشعب المصري حقيقة المتربصين، وأصحاب النوايا السيئة، الذين يريدون الانحدار بمصر إلى نفق مظلم، لا سبيل إلى الخروج منه، وتصور البعض أن الشرطة انسحبت من المشهد الأمني، وأن فرصتهم السانحة قد حانت لتصفية حسابات قديمة، أو لتنفيذ مخطط شيطاني مدمر، وتقليد النموذج الإيراني وتكوين لجان شعبية تنتهي بميليشيات، بحجة حماية الأموال والأنفس ومساعدة الشرطة، ومنعها من الانهيار، وقد تزامن ذلك، مع الاستغباء، والبلاهة فيما أثير حول المادة 37 من قانون الإجراءات الجنائية. والتي تعطي الحق للمواطن الذي يشاهد بالمصادفة جريمة، أن يمسك الجاني، ويسلمه لأقرب شرطة.

ولا تعطي الحق للمواطنين في الضبطية القضائية، أو عمل لجان شعبية، كما لا تعطي الحق لأصحاب النوايا السيئة، أن يتقدموا بمشروع قانون لتقنين هذه اللجان.

ويدرك الجميع أن الشرطة في مصر مؤسسة تحترف العمل الأمني، ولأن أهل مكة أدرى بشعابها.

إن الشرطة تستعين أحياناً بقصاصي الأثر في المناطق الصحراوية، أو المرشدين أو أصدقاء الشرطة الذين ينظمون المرور في أشهر الصيف.

وعندما تصاعدت حدة الإرهاب في عام 1996 في الصعيد، وكنت وقتها قائداً لنجدة نجع حمادي بمحافظة قنا، وتكرر إطلاق النار على القطارات السياحية، و نظراً لطول المسافة التي يمر بها القطار في المحافظة استعنا "بالأربطة" أو الروابط بمعرفة العقلاء وأعضاء مجلسي الشعب والشورى، والأربطة رجال مسلحون يجلسون على مسافات متساوية بجوار خط السكة الحديد، يشعلون النار ليلاً ويحتسون الشاي، ويراقبون الطريق المجاور للسكة الحديد، ويطلقون النار بين الحين والحين في الهواء. وكان ذلك يتم بإشراف دقيق من ضباط البحث الجنائي.

وما أحوجنا، وأحوج هؤلاء، أن نستعيد التاريخ القريب لمن حولنا عند الحديث عن الميليشيات لندرك معالم الطريق، إلى الاستقرار، والتنمية، وليس الدمار والخراب، وتفكيك الدولة.

فالميليشيات ظهرت بقوة بعد ثورات الربيع العربي، لتملأ فراغاً أمنياً بعد سقوط أجهزة الأمن، وأعضاؤها مقاتلون غير محترفين، يتم تجهيزهم لتنفيذ ما تريده فئة معينة، أو طائفة دينية، أو حزب سياسي، أو نزاعات عرقية قبلية، كما حدث في الصومال، التي تكونت فهيا الميليشيات، بعدما قسمتها الحروب.
وقد ظهرت الميليشيات في العراق أيضاً بعد أن قسمتها الحرب، وبدأت بتكوين جيش مقتدى الصدر الشيعي، عام 2003، بتمويل من إيران، لمحاربة أهل السنة، وفي المقابل تكونت ميليشيات لأهل السنة.

وفي اليمن، القوى الحزبية، والمذهبية، والقبلية، التي تعادي الحكومة، كونت ميليشيات عسكرية، نطوع فهيا ملايين الأفراد.
وفي ليبيا تقدم اللجان الشعبية بدور الشرطة التي تدهورت وانهارت بعد الثورة.

وفي جنوب لبنان، بدأ حزب الله كقوة مسلحة بسيطة ، ثم ازداد تسليحه، وتدريبه، وكثر أعداد المنضمين له، إلى أن أصبح دولة داخل دولة، يأخذ بنفسه قرار الحرب، كما حدث في عام 2006، وحارب إسرائيل.

وتبقى مصر الدولة، بجيشها العظيم، وشرطتها الوطنية ذات التاريخ والتي دخلت الآن عصر الطائرات لمكافحة القراصنة، ومجرمي الجو، والتي سيظل سر نجاحها عدم انحيازها لأي فكر سياسي، لأنها تؤمن أن الأمن للجميع.

ولن تحتاج إلى لجان، أو ميليشيات، فهي ليست دولة طائفية، أو عرقية، أو قبلية، ولكن...

كم في مصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء

كما قال المتنبي.

فقد ظهر أحد الشيوخ على الفضائيات، ليؤكد أنه ليس هناك أكفأ من جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة مصر، وليس هناك أكفأ من السلفيين لتولي أمور الدين، وعلى الجماعة الإسلامية أن تتولى أمور الشرطة، أما جماعة الجهاد فهي التي يجب أن تتولى أمر الجيش، أليس هذا التفكير متمشياً مع المخطط الأمريكي لتدمير الجيش؟ وتحويله إلى جيش لفض المنازعات بين الميليشيات التي تتكون بعد أن تنهار الشرطة نتيجة الفوضى العارمة؟

ونسي هؤلاء أن الإسلام الذي تخطت بعقيدته السمحة حدود الزمان والمكان، لا يدمر أنظمة، ولا يحطم أجهزة، وإنما يوضح لها صحيح الدين، إن كانت بعيد عن الدين.

ونسوا أن مصر دولة يعشق الشعب فيها الجيش، ويحتمي بشرطته، مهما تجاوزت وتعدت، ويأمل الكثيرون من أبنائها في وظائف الجيش والشرطة، ليكونوا جزءاً من صولجان الحكم، لأنهم نتاج أول دولة عرفتها البشرية، قدمت للإنسانية أقدم نظام سياسي موحد، وهي كانت، ولا تزال وستظل مصر، الشعب والسلطة والإقليم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق