جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الخميس، 28 مارس 2013

روشتة لإصلاح المسرح

http://www.elraees.com/index.php/mian/opinions/item/3687
بقلم د. مصطفى عابدين شمس الدين

أعطنى خبزا ومسرحا أعطيك شعبا صالحا .. فلا جدال فى أن المسرح هو الأب الشرعى لكل الفنون وهو الوحيد الذى تلتقى فيه كل الفنون الإنسانية والبوتقة التى تنصهر فيها كل المشاعر البشرية من ضحك وبكاء وفرح وألم وحزن وذكريات كما أنه يُعد المرصد الحقيقى والفعلى لكل ما يحدث فى المجتمع من متغيرات فى شتى مناحى الحياة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أواقتصادية .. وكان المسرح دائما هو المرآة التى تعكس كل ما يطرأ على المجتمعات ثم تصهره وتحفظه موثقا فى خزائن التاريخ ليكون موردا تنهل من الأجيال اللاحقة .

ومن الملاحظ أن المسرح يمر بحالة أقل ما توصف بها أنها حالة هزال شديد مماثلة لتلك التى تحدث للمرضى قبيل الموت .. وباستثناء البيت الفنى الذى يجسد الحد الأدنى من الدور التنويرى والتثقيفى الذى يجب أن تضطلع به الدولة فإننا لا نكاد نشعر بأن لدينا مسرحا .. وهذا يحدث بعد أن أغلق القطاع الخاص أبوابه وتخلى عن دوره فى تقديم عروض تكون منارة لتوعية العقل ودفعه للحركة والإنتاج .. واتجه الجميع إلى الفضائيات جريا وراء الشهرة وما تدره الإعلانات من ثروات .

لقد كان المسرح دوما – ومسرح القطاع الخاص على وجه الخصوص – هو المدرسة التى تُفرخ الفنانين وتعطى لكل منهم جواز المرور للمجتمع الفنى بشكل عام معتمدا فى ذلك على النص الجيد من الكتابات التى تقدم تاريخنا الحقيقى ورموزنا التى تمثل قدوة للأجيال .. إلى جانب العرض الممتع الذى لا يُغيّب عقل الجمهور بل يجعله مستيقظا ويدفع به إلى إعمال العقل والتفكير فى القضايا المثارة فى هذه النصوص والشخصيات والأحداث التى تجسدها هذه العروض .

نحن الآن فى حاجة إلى مسرح حديث بمعنى الكلمة يبتعد عن الركاكة والرتابة فى النصوص ويكون مخالفا لكل ما هو تقليدى فى الأداء والإخراج بحيث يكون مواكبا للمتغيرات التى نشهدها الآن من تقنيات حديثة وفنون الديجيتال والسينوغراف وكافة عناصر الإبهار والمستحدثات المستخدمة فى كافة الفنون والتى ينبغى أن ينهل منها المسرح قبل غيره من الفنون لأنه أب لكل الفنون كما أسلفنا .

هذا بالاضافة إلى أننا فى حاجة إلى عودة مسرح القطاع الخاص ليلعب دوره بكل قوة كما كان فى القرن الماضى حيث كان هو المدرسة التى تضطلع بتقديم الفن الذى يعكس كل قضايا المجتمع ويناقشها بصدق وأمانة وحرفية .. بل ويضع الحلول الملائمة لمعطيات العصر .. ولا ننسى الدور الترفيهى الذى كان يقدمه من خلال مسارحه المنتشرة فى روض الفرج ووسط مدينة القاهرة ناهيك عن الإسكنرية وباقى عواصم المحافظات مثل السويس ودمياط ودمنهور على سبيل المثال لا الحصر .

وكان مسرح القطاع الخاص فى تلك الآونة هو المنوط به تقديم الوجوه الشابة من ذوى المواهب الفنية فى مجال التمثيل والغناء والمتطلعة لشق طريقها فى عالم الفن الفسيح .. فهو الذى قدم لنا العديد من عمالقة الفن من أمثال يوسف وهبى وفاطمه رشدى وأمينه رزق واسماعيل ياسين وعادل خيرى ومارى منيب وسميحه أيوب وسناء جميل وغيرهم كثيرين فى مجال التمثيل ناهيك عن المجالات الفنية الأخرى والتى لا يتسع المجال هنا لذكرها ونكتفى بأن نذكر سعد أردش وجلال الشرقاوى وعبد المنعم مدبولى فى مجال الإخراج لندلل على ما سقناه .

ولا ننسى المسرح الغنائى الذى كانت تُقام على خشبته الحفلات الغنائية أسبوعيا أو شهريا على الأقل .. حتى دور السينما كانت تحمل لافتة سينما ومسرح مما يدل على تنوع أنشطتها الفنية .. والجدير بالذكر أنها كانت كلها مملوكة للقطاع الخاص .. وكان الكثير من رجال المال والأعمال يجدون فى المسرح مجالا خصبا لاستثمار أموالهم ناهيك عن الدور التنويرى والثقافى لهذه المسارح .

ولكن كل هذا ليس كافيا لإيجاد منتج مسرحى متميز بل يجب أن تتغير أيضا طريقة العرض لتصبح مواكبة لطبيعة المتلقى فى العصر الحالى وذلك بأن يحرص المسرحيون على التواصل مع الجمهور فى المدارس والجامعات والنوادى وكافة أماكن التجمعات وعدم الاكتفاء بانتظار الجمهور ليأتى إليهم فى قاعات العرض التقليدية وبذلك يصبح الجمهور مشاركا فى العروض المسرحية وليس مكتفيا بدور المشاهد والمتلقى ..

وهذا يتطلب تغيير طريقة العروض ذاتها فى الاعتماد على خشبة المسرح التقليدية وستارته .. بل يجب أن يكون مسرحا مفتوحا متنوعا ومدعما بكل التقنيات التى أشرنا إليها – فيكون الإظلام بديلا عن إغلاق الستارة مثلا - بالإضافة إلى استخدام كل إمكانيات البيئة المتاحة .. وهذا التنوع فى النصوص والعروض والأداء المسرحى هى التى ستجسد واقعية الحياة التى نعيشها بجمالها وروعتها ومشاكلها وقضاياها .. لأن هذه هى الحياة .. والمسرح هو الحياة بكل ما يحتويه من عناصر المتعة البصرية والسمعية المتوفرة لديه .

نأمل أن يكون ما أوردناه هنا خطوة البداية فى طريق الإصلاح لو التفت إليها المسرحيون على كافة المستويات .. مع خالص دعواتنا لهم بالتوفيق فى رسالتهم التثقيفية والتنويرية السامقة التى لا جدال فى أهميتها فى تشكيل وجدان الأجيال والارتقاء بحسهم الفنى والذوق العام .

وإلى لقاء قادم فى موضوع آخر بحول الله .
بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين .
E mail : dr.mostafa_abdeen@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق