جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الخميس، 14 مارس 2013

الفلوس يا ناس


http://www.elraees.com/index.php/nabielaboelnaga/item/3203
بقلم : اللواء نبيل أبو النجا *

طبعا سيقرأ البعض عنوان المقال على أنه الفلول وأن هناك خطأ مطبعي, لكن في الحقيقة هى الفلوس التي يلهث البشر خلفها ويتسابقون ويتقاتلون من أجلها وفي النهاية نذهب وتبقى هى للغير يستمتع بها دون مشقة أو عناء لأنها ميراث وتركة إنسان ربط نفسه في ساقية الحياة واستنفذ جهده حتى سقط في بئر الساقية وانتهى كما ينتهى أي شئ في هذه الحياة إلا سبحانه وتعالى صانع الحياة وخالق كل شئ. كنت وأنا في المرحلة الإبتدائية ببلدتي ميت غمر بمحافظة الدقهلية أحرص على الوقوف في البلكونة الساعة الرابعة عصرا انتظارا لقطار الزقازيق الذي يحمل رجال الصاعقة من أبناء ميت غمر حتى أرى عظمة الرجال والقوام الممشوق والاعتداد بالنفس والهندام الجميل الذي طالما منيت النفس بارتدائه. دائما يلفت نظري أسفل المنزل سيدة تجلس على الرصيف وتضع مشنة (صينية من الخوص) بها رضيع مغطى بقطع مهلهلة من القماش تكاد تستر جسده النحيل في الشتاء القارص وتضع أمامها أواني من المعدن (حلل) مغطاة بأوراق الصحف وهذه الأواني بها المحشي الذي تعده كي تبيعه لعمال مصانع حليج الأقطان وموظفي الأرياف الذين يفدون للمدينة بغية العمل, وعقب عودتنا من صلاة الفجر كنا نجدها حاضرة تجهز طعام الإفطار (الفول والفلافل) كي تلحق بوردية الصباح والطفل الرضيع في مشنته وتغطيه بشال من الصوف حالته عدم ولكنه يستر والسلام. حاورت أم مسعد في أحد المرات وعلمت منها أن زوجها أصيب بالشلل وأصبح عاجزا عن العمل وهى تتحمل عبء السعي على الرزق وتربية مسعد وتأثرت كثيرا خاصة أن موسم الشتاء في هذا العام كان قارصا وذهبت لوالدتي أقص عليها صعوبة حياة هذه السيدة العظيمة التي تكافح من أجل أسرتها ومن أجل الحياة وترفض أية مساعدة طالما عندها القدرة على العمل. كان زميلي الذي يجلس بجواري في المدرسة ابن صاحب مصانع الطوب ويحضر كل يوم بسيارة مرسيدس وسائق وفي رغد من العيش وهندامه دائما من طراز فريد والجميع يحاولون التودد إليه والتقرب منه عسى أن يحظوا يوما بركوب المرسيدس. مرت السنوات, والتحقت بفضل الله كما تمنيت دائما بسلاح الصاعقة, وعينت مدربا بمدرسة الصاعقة بإنشاص وأثناء طابور الإشتباك لاحظت أحد الفدائيين المتدربين يشتبك مع معلم وهو أمر نادر في مدرسة الصاعقة ويقاومه ويكاد يتغلب عليه ولفت نظري قوته الجسمانية والخارقة. استدعيته وقلت له كيف تقاوم المعلم وتتحداه؟ قال لي وهل أقف مكتوف الأيدي, إنني يمكن أن أصرعه في الحال فهو حق مشروع للدفاع عن النفس, اعجبت بشجاعته وتوسمت فيه فدائي شجاع يدافع يوما ما عن كرامة مصر وأرضها وعرضها, سألته عن اسمه وبلدته فقال "الفدائي مسعد عبد الفتاح خليل يا أفندم من ميت غمر", صعقت حين سمعت الإجابة وقلت له على الفور "انت ابن أم مسعد اللي...." فأجاب فورا " الله يرحمها ويطيب ثراها" نعم يا أفندم أم مسعد بتاعت المحشي واغرورقت عيناه بالدموع لكني أدركت تأثره ونهرته قائلا يا فدائي "الراجل ما يعيطش" وداعبته حتى انصرف. عدت لبلدتي وقال لي أخي الأكبر رحمه الله أن زميلي ابن الأكابرس توفاه الله أمس حيث شيعت جنازته والعزاء مساء اليوم, وعقب واجب العزاء علمت من أحد زملائي ويعمل طبيبا في مستشفى ميت غمر الأميري أن زميلنا توفاه الله بعد أن مرض مرضا شديدا وكان مرضه عضالاً ولم تجد الأموال معه نفعا حيث عرضوا عليه السفر للخارج لكن إرادة الله نافذة. جلست مع ست الحبايب مساءً عقب العزاء وقصصت عليها قصة الفدائي مسعد وقلت لها يا أمي تخيلي الذي ليس معه مال معه الآن صحة وقوة لا يضارعها قوة والذي معه مال يعجز عن علاج نفسه. أجابتني أمي الفلاحة البسيطة, يا ابني لكل أجل كتاب, انت فاكر الفلوس ممكن تشتري لك علاج لكن عمرها ما تشتري لك صحة, تجيب لك قصور لكن لا تضمن لك شراء سعادة, صحيح الفلوس والولاد همه زينة الدنيا لكن الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وأعظم أجرا, ياابني الفلوس ممكن تجيب لك كل اللي انت عاوز تاكله لكن موش ممكن تجيب لك نفس واحمد ربنا دائما واسعى على الرزق وخلى عندك ضمير وراعي ربنا علشان يكون دايما معاك وخاف من الجليل واعمل بالتنزيل وارض بالقليل واستعد ليوم الرحيل. حاولت أن أرضي أمي في قبرها وأن أعمل بوصيتها قدر الإستطاعة لكن الفلوس واللهث وراءها وبريق الدنيا الذي أغشى أبصارنا وتغلغل في كياننا يرفض أن نستسلم لحقيقة الدنيا الفانية ولكن لا ننسى نصيبنا من الدنيا وأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا وأن نعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا. كلنا يعلم ذلك ويدركه جيدا, لكن ستظل الفلوس متغلغلة في النفوس وسبب كل عبوس مهما كثرت أو قلت لكن يبقى اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ولنرضى بما قسمه الله لنا حتى نكون أغنى الناس نفسا ومالا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق