جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الاثنين، 11 مارس 2013

الإبداع والأخلاق


http://elraees.com/index.php/mian/opinions/item/3087
بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين
 
غالبا ما تكون النصيحة المباشرة ثقيلة على النفس لدرجة أنها تصبح غير ذات قيمة فى بعض الأحيان وقد تؤتى بآثار عكسية فى أحيان أخرى .. ولأن الله سبحانه وتعالى هو خالقنا ويعلم الطبيعة البشرية التى فطر البشر عليها فقد كانت القصص فى القرآن بما تنطوى عليه من قيم راقية ومعان أخلاقية سامية هى الوسيلة الأسرع فى ترسيخ ما تحمله بين جنباتها من أخلاقيات فى نفوس الناس على مر السنين .
وإذا ما أردنا تطبيق القاعدة السابقة على ما تنتجه قرائح البشر من إبداعات أدبية لوجدنا أن تأثير رواية أو قصة قصيرة أو قصيدة شعرية قد يوصل أفكارا إنسانية وقيما أخلاقية بأسرع مما لو كان فى صورة وعظ مباشر أو مما تستطيعه خطبة أو محاضرة .. ولا أبالغ لو قلت إن النكتة - وهى تصنف ضمن الفنون الشعبية الساخرة - قد تستطيع ذلك أيضا باعتبارها موقف أخلاقى كما يقول المفكر العالمى باختين .
وإذا ما تناولنا الأمر من زاوية أخرى لوجدنا أن الأعمال الأدبية والفنية لديها القدرة على البقاء فى وجدان المتلقى أطول من جميع النصائح وكلمات الوعظ والخطب والمحاضرات وقد تكون قصائد شوقى وإليوت ومسرحيات شكسبير وسعد الدين وهبة وروايات نجيب محفوظ وديكينز على سبيل المثال وليس الحصر خير شاهد على ذلك .. ولعل هذا يفسر لنا سر تهافت الناس فى جميع أنحاء العالم على اقتناء الأعمال الأدبية المحترمة أو الوقوف صفوفا طويلة للحصول على تذكرة لمشاهدة إحدى المسرحيات كما يحدث فى عاصمة النور باريس على وجه الخصوص.. ولا يعقل أن تكون تلك الملايين فى جميع أنحاء العالم وعلى مر السنوات تبحث عن التسلية أو المتعة فقط إذ لا يمكننا إغفال هذا الجانب ولكن من البديهى أيضا أن كل هؤلاء باحثون عن قيم الحق والخير والجمال فضلا عن القيم الروحية والأخلاقية الملتحمة بقضايا مجتمعاتهم .
ولكن هل كل الأعمال الإبداعية دائما ما تكون مرتبطة بالراقى من القيم والأخلاق ؟ يعنى عندما يكتب الأديب أعماله وعندما يخرج الفنان روائعه من مسرحيات وأفلام .. هل يكون فى ذهنه الأخلاق والقيم المجتمعية والمبادئ ؟ ويمكننا أن تكون إجابتنا على ذلك " لا " كبيرة وإلا تسبب ذلك فى تعطيل قريحته عن الإبداع .. ولكنه يضع لنفسه أطراً معينة يستطيع من خلالها الوصول إلى وجدان المتلقى والتأثير فيه دون الخروج عما اختطه لنفسه وبمرور الوقت يعتاد ذلك ولا يخرج عن ذلك واضعا فى ذهنه أنه ليس كل ما هو غريب أو مختلف قادر على اجتذاب الجمهور .. وهذا بالطبع لا يتفق مع الأعمال الأدبية والفنية الهابطة التى لا ترقى لمسمى الأدب أو الفن وتحمل من التسطيح والسذاجة واختراق أخلاق المجتمع وقيمه بدعوى الواقعية .. فتقدم لنا الشاذ من الأخلاق والغريب من التصرفات وتطال ما يوقره الناس مثل رجال الدين والمدرسين بالسخرية والاستهزاء .. ولا يمكن أن يكون ذلك – كما يقول المدعون – دعوة لهؤلاء بالخروج من عزلتهم وتغيير نمط حياتهم والإلتحام بالقضايا الواقعية .. وفى هذا تزييف للحقائق فالمبدع يدرك قبل غيره أن الخير والشر متلازمان منذ بدء الخليقة ولكن عليه أن تكون إبداعاته مدعاة لتهذيب النفوس وترسيخ  الفضيلة والأخلاق والرقى بالمشاعر دون إسفاف أو مخاصمة للقيم .. وتلك فى نظرى هى المقدرة الحقيقية .
وأخيرا نؤكد على أن براعة الإنشاء وحسن النسق فى التأليف ورسم الشخصيات والاحداث بكلام مهذب وتعبير رشيق يكون وقعه وتأثيره على الجمهور السوى أقوى وأعمق .. أما الشواذ وغير الأسوياء فهم أساسا بعيدين عن الإبداع لأن مكانهم الطبيعى فى المواخير وعلب الليل ..
الأمر يحتاج إلى وقفة جادة وتكاتف الجميع من أجل إبداع نظيف وهو ما سنوالى العمل من أجله بكافة السبل حتى يتحقق .
وإلى اللقاء فى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق