جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

الاثنين، 4 مارس 2013

كلاكيت .. خامس مرة


http://elraees.com/index.php/mian/writers/item/2849
بقلم الكاتب والخبير الأمنى :
مصطفى المليجى

اخترت العنوان قبل الكتابة ، فخطر في ذهني أن أكتب على هيئة معالجة درامية ، بصفتي سيناريست ، لنلعب قليلاً بخيال القارئ.

ونبدأ من مدينة شرم الشيخ حيث تدور الكاميرا لتظهر لنا جمال المدينة يوم الخميس 28 فبراير ثم تركز على لافتة تقرأ "مؤتمر مناهضة التعذيب ، وطرق اتخاذ الإجراءات القانونية في المحاكم المحلية ، والإقليمية ، والدولية " .

تبتعد الكاميرا قليلاً ، فنجد أن اللوحة في حديقة أحد الفنادق الفخمة ، حيث يعقد واحد من المؤتمرات التي لا تزال تعقدها دكاكين حقوق الإنسان ، التابعة للاتحاد الأوروبي ، والتي لم تحقق حتى الآن كل أهدافها التخريبية في مصر ، ولا تزال تلقي شباكها لتصطاد نوعية المتعاملين معها ، فنحن نعيش كوميديا سوداء ، أبطالها الممولون والمرتزقة وضحاياها نحن المعذبون في الأرض.

وتستعرض الكاميرا قاعة المحاضرات الفخمة حيث يجلس ثلاثون شاباً من المحامين الشباب ، اختارتهم نقابة المحامين بمواصفات خاصة ، ثم نركز على منسق المؤتمر ، وهو مليونير مصري يقيم في جينيف بسويسرا منذ أكثر من عشرين عاماً، ويحمل الجنسية السويسرية ولا يعرف عن مصر سوى أنها دولة تعذيب ، لذلك لابد من تدويل قضايا حقوق الإنسان وفضحها في المحاكم الدولية ، لأنها تنتهك حقوق النشطاء السياسيين.

ويقف محامي شاب يمتلك مكتباً في وسط البلد ، وهو من الذين أسيئ اختيارهم ويسأل المنسق السويسري عن حقوق المواطنين الذين يسكنون في منطقة وسط البلد ، والذين ضاقت بهم الحياة ، من احتلال الميدان ، وقطع الطرق ، وتعطيل المرور من بشر لا علاقة لهم بثورة ، ولا ثوار.

فيرد المنسق : هذا حال الثورات في كل مكان ، المهم الاعتداء عليهم بكافة أشكاله لا يجوز.

ويسأل محامي أخر من الذين أسيء أختيارهم:

- العقوبات في الإسلام فيها جلد للزاني ، وقطع يد السارق ، وفيها حد الحرابة ، وكلها عقوبات على جسد المجرم ، إلا يعجبكم شرع الله تجاه الذين يحاربون الله ورسوله ، ويروعون البشر.

فيقول المنسق مقاطعاً :

نحن لا نتحدث إلا عن نشطاء هذا الزمان ، وأكرر الاعتداء عليهم بكافة أشكاله لا يجوز.

ويسأل محامي ثالث غاضباً :

- مَن مِن هذه المنظمات يستطيع أن يقاضي ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا الذي قال فلتذهب حقوق الإنسان إلي الجحيم، أمام أمن بريطانيا، أو يطلب من أمريكا أن تلغي التميز ضد الأفارقة، والعرب الأمريكيين المسلمين، والمهاجرين.

ويقول المنسق متلعثماً :

- لا شأن لنا بهذا نحن هنا لنقول الاعتداء على النشطاء السياسيين بكافة أشكاله لا يجوز.

أثناء هذا الحوار تعرض لقطات تظهر أشكال من الشباب ملامحهم إجرامية ، بعضهم يدخن سجائر محشوة بالبانجو ، وأحدهم يأخذ لفافة ، ويعطي لأخر مبلغاً يدسه في جيبه ، ثم نلمح رجلاً ، تبدو عليه ملامح الثراء ، يخفي وجهه بنظارة سوداء كبيرة، يوزع على الشباب مبالغ مالية ، وأقراص الترامادول ، ونرى في اللقطات أرباب سوابق شاهرين أسلاحتهم في وجه الشرطة، لتصبح الشرطة في حيرة ، أن أصابتهم أصبحوا في نظر العالم شهداء ، وأن حبستهم تحولوا إلي نشطاء سياسيين ، وأن أصيبوا أصبحوا مصابي ثورة ، هكذا هم في عرف منظمات حقوق الإنسان.

وينظر المنسق إلي اللقطات ويقول هذا هو حال الثورات في كل مكان.

ثم تصور لنا الكاميرا لحظات انتهاء المؤتمر في لقطة جمالية ، من أمام الفندق ، حيث يستقل المحامون أتوبيساً سياحياً إلي القاهرة. نتتبعه قليلاً بلغة السينما إلي أن يختفي ثم تصور لنا الكاميرا الأفق الرائع ، وترتفع رويداً رويداً إلي أن تركز على طائرة وسط السحب البيضاء ، يستقلها المنسق السويسري تهبط به بعد ساعة في مطار القاهرة ، ويجد في انتظاره سيارة فارهة تقوده إلي شقة فخمة في حي المعادي.

وفي فجر اليوم التالي تصور لنا الكاميرا لحظة انبثاق فجر يوم جديد في ميدان التحرير ، حيث أخذت الترامادول النائمين والنائمات في الخيام إلي سبات عميق ، وأذان الفجر يتردد من عشرات المساجد القريبة من الميدان ، ثم تستقبل الكاميرا تشكيلات من رجال الأمن المركزي قادمة في صمت من اتجاهات ثلاثة ، وأمامها بلدوزر يزيل الحواجز الحديدية ، والأسلاك الشائكة ، التي وضعها البلطجية بمنافذ الميدان لأعاقه المرور.

وهنا تنطلق ضحكة رنانة عالية من رجل عجوز ، يطل من شرفة مسكنه تترامى إلي سمع الجميع ، عندما يتقدم رجال البحث الجنائي ويقبضون على ثلاثين بلطجياً في لحظة خاطفة ، ويحرزون أسلحتهم وطلقاتهم ، وزجاجات الملوتوف ، وقطع حديد وشوم وجنازير.

وليس مصادفة أن يشاهد المنسق السويسري وهو يتابع ما يحدث ، وبجواره أحد المحامين ويردد جملته الشهيرة " المهم الاعتداء عليهم بكافة أشكاله لا يجوز" .
أجمل ما تستقبله الكاميرا ذلك الرجل العجوز الضاحك خارجاً من عمارته مرتدياً بيجامة وشبشب بكل حيوية ونشاط كأنه شاب في الثلاثين ، ويمسك في يديه لوحة الكلاكيت التي يضعها مخرجوا السينما عند تصوير كل مشهد ، ليسهل لهم عملية المونتاج ، واللوحة مكتوباً عليها فيلم تطهير الميدان ، وعدد مرات الإعادة خمسة ، ويضعها في مواجهة كاميرات التصوير، ويضحك الناس في أسى.

والعجوز يقول : ستتكرر مرات التصوير لأن هؤلاء ليسوا إلا أداة لمن يفكر ويدبر لسقوط مصر وانهيارها حتى نصور فيلماً بعنوان " الدولة الفاشلة" .

ويفرح الناس قليلاً بفتح الميدان ويحيون رجال الشرطة، ولكن في ظهر اليوم التالي تجمع البلطجية ، وأطفال الشوارع بأعداد كبيرة ، يهتفون ضد الشرطة ويعتدون على الضباط، ويسرق أحدهم من أحد الجنود جهاز لاسلكي ، ويتمكنوا من إغلاق الميدان ، بعد أن دعمتهم سيارات نقل تحمل أسلاك شائكة .

ويقول المنسق الذي تصادف وجوده مرة أخرى .. الاعتداء عليهم بكافة أشكاله لا يجوز وهنا يصرخ أحد المحامين ويقول:

- سأقاضي هؤلاء في المحاكم الدولية بتهمة اغتيال حقنا في الحياة ، وانتهاك حريتنا ، والاعتداء علينا وعلى دولتنا وعلى شرطتنا ، وسأنادي بسقوط الثورة ، وكل ثورة.

ويضحك العجوز الذي مازال ممسكاً بلوحة الكلاكيت وهو يقول :

وقتها سنرفعكم فوق الأعناق ، ونرفعهم لنصلبهم على أعمدة الإضاءة مثلما فعل الفرنسيون ، وسأحطم لوحة الكلاكيت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق