جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

السبت، 16 مارس 2013

متى نخرج من الأزمة ؟


http://www.elraees.com/index.php/samiakhedr/item/3273
بقلم أ.د. سامية خضر

اختلفت الأسباب التي دعت ابن خلدون وأوجست كونت الي انشاء دراسة جديدة لظواهرعلم الاجتماع‏ ,‏ فقد عاني ابن خلدون من المؤامرات والأكاذيب التي تلصق بالتاريخ فعمل علي انشاء اداة يستطيع بفضلها الباحثون في علم التاريخ أن يميزوا لما يحتمل الصدق‏..‏ فيستبعدوا ماهو غير ذلك ويتمسكوا بما يمكن من وقوعه من حقائق في شئون الاجتماع الانساني ..

وبعد اكثر من أربعة قرون ظهر فكر أوجست كونت والذي عاني من توابع الثورة الفرنسية وأيقن انه ليس بالقتل والمذابح يستقيم المجتمع بل باصلاح الفكر الانساني الذي هو أساس الجهاز الاجتماعي‏ ,‏ فكل مايعتري الفكر من فساد يتردد صداه في السلوك فينشر الخلل داخل أركان المجتمع‏..‏ علي أن يفهم الناس القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية حتي يستطيعوا أن يتصرفوا في حدود هذه القوانين‏..‏ ..

ومع انشاء الجامعة المصرية الأهلية في‏1908‏ دخل علم الاجتماع لمناهجها واختير للتدريس بها العلماء الأوروبيون مع قلة من المصريين واستمر تدريسه مع انشاء الجامعة المصرية الحكومية‏..‏؛ حيث توالت الأقسام التي تبنت تدريس علم الاجتماع وكذلك الفلسفة وعلم النفس والسياسة وكما تم تمصير كل مؤسساتنا وظهر عدد من العلماء المصريين الذين شغفوا بدراسة وطنهم‏ ,‏ وشعروا بأنهم ليسوا أقل من الجنود الذين يدافعون عن أرضهم وأن من واجبهم ان يكون عملهم في خدمة المجتمع فسلامة الجبهة الداخلية لاتقل أهمية عن سلامة تأمينها من الخارج ، واستمر عطاؤهم ..

ومن أمثلة ذلك كتاب د‏.‏ عبد العزيز عزت "ثورة التحرير والاصلاح الاجتماعي" القاهرة ‏1958‏ واشرافه علي دراسة ميدانية في ثلاث قري بمحافظة الجيزة‏,‏ وكتاب د‏.‏ حسن الساعاتي "التصنيع والعمران" بدراسته الامبيريقية القيمة عن أحوال عمال الصناعة في مدينة الاسكندرية والتي أوصي من خلالها بضرورة تحسين أحوالهم من خلال مساهمة المؤسسات الصناعية سواء في السكن أو الصحة‏.‏ ..

والمدهش اننا في ظل هذا العالم الذي تحول رغم انفنا الي قرية صغيرة تغزونا فيه الثقافات مثلما تغزونا المنتجات المستوردة‏..‏ وتدوس علي رقاب عاداتنا وتقاليدنا مفاهيم مختلفة تحتاج الي مزيد ومزيد من الأبحاث والدراسات نجد من يصدر الفرمان الذي لايعطي أهمية لكرامة العلوم . ويعتبر علم الاجتماع من اكثر العلوم إلحاحا في عصر العولمة والسماوات المفتوحة والمحاكاة الغربية والقهر الأمريكي والاجتياح الاسرائيلي‏..

‏ فالأمراض الاجتماعية التي تصيب جسم المجتمع تزداد خاصة مع الانفتاح الاجتماعي والتحول الاقتصادي‏ ,‏ فليس هناك طموح من غير خسائر قد تضرب الصغير والكبير والغنى والفقير علي السواء‏..‏، هذا مع وجود كم من العجز في نسبة بطالة تغذي ظاهرة العنف والادمان‏..‏، فضلا عن مشكلات الفقر والتفكك الأسري وارتفاع نسبة الطلاق بين حديثي الزواج وانتشار الزواج العرفي وتغيب العمال عن العمل وتدني انتاجيتهم وهجرة العقول المفكرة وانخفاض نسبة المشاركة السياسية وعدم الوعي بأهمية التنشئة السياسية‏.‏ ..

وان كان ذلك لايعنى عدم التعرف علي كل جديد والتمتع بثورة المعرفة والعلوم جميعها حتي لو كان المصدر اجنبيا‏..‏، ثم لماذا الحساسية في ذلك ؟ وان كان العاملون في ذلك العلم هم اول من ينادون بضرورة التوقف عن مرحلة الاستهلاك الأجنبي المستورد لنصل لمرحلة انتاج متكامل والذى انحصر في شكل جديد لفانوس رمضان المستورد من الصين رغم انه يعبر عن تراثنا ومعه عروس المولد ..

و يساعد المنتج المصري وتفوقه علي تأكيد قيمة الانتماء والهوية‏..‏ والغرب من منطقه استغلال كل العلوم لمصالحه الاستعمارية‏.‏ وكلنا يعلم ان ملفاتنا السوسيولوجية والنفسية مدونة بدقة في سجلاتهم‏..‏، بل انهم يتابعون بدقة قرارات القادة العرب ويضعون سيناريوهات مختلفة لما يمكن ان يصدر عنهم وعلي أساسها يكون تحركهم فكل مخططاتهم هى مدروسة‏..‏ وتلعب الأنثروبولوجيا دورا خطيرا في دراسة عاداتنا وتقاليدنا‏..‏ ..

ولقد تابعت بالمصادفة وجود باحثة انثروبولوجية امريكية تنتقل في عدد من محافظات مصر وتجلس مع الريفيات‏..‏ ترتدي ملابسهن وتجمع معلومات عن مقدار احتياج اسرهن للمياه بدءا من مرحلة الوضوء الي الاستحمام وغسيل الصحون وترسل من خلال الكمبيوتر المحمول تلك المعلومات الي مكتبها في وقت يحدث فيه التوتر في جميع دول الربيع العربى والقلق من مزيد من الانفصال ويشتد الحصار وقد تظهر مشكلات لمنابع النيل تؤثر علينا‏..‏ وهم هناك يهتمون بتلك الدراسات‏..‏ فهل يأخذ المسئولون عبرة ويعطون اهتماما بدراستنا العلميةالعربية‏..‏ ..

ان العيب ليس في العلم أو العلماء بل فينا اننا نتركهم يتصرفون في أقدارنا‏..‏ ونردد مايقولونه من أننا ظاهرة صوتية‏..‏ وحتي ماكتب عنا لانستفيد به‏..‏؛ فنحن مثلا لم نستفد من "موسوعة وصف مصر" التي خطها علماء الحملة الفرنسية ولا من كتاب ادوارد وليم لين البريطاني "المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم" ، ولا "مصر اليوم" لعدد من السوسيولوجيين الفرنسيين ولا من نظرة فيبر الدونية واتهاماته للاسلام أو غير ذلك‏..‏ ..

فنحن مازلنا نتعامل مع عقول علمائنا مثلما نتعامل مع شواطئنا الطويلة الممتدة علي طول سواحلنا‏..‏ نخفيها بالعمارة الأسمنتية والألواح والأعمدة‏ ونمنع الاستمتاع بها‏..‏ ثم نلعن بلدنا ونهجرها ونهاجر منها علي اعتبار ان كل شئ فيها خطأ‏..‏ في حين ان الموضوع أولا وأخيرا سلوك اجتماعي غير سليم نتيجة فكر غير مكتمل‏..‏ قام علماء الاجتماع بدراسته وقدموا فيه الحلول لكن المهم الاطلاع عليه واحترام ماقدموه والأخذ بدراساتهم واعتبارهم مستشارين لصاحب القرار‏ ..

‏ ويكفي ان الغرب يتهمنا بأننا دائما متخلفون لاننجح في عرض أية قضية ، كما الشعوب الغربية‏..‏ وذلك لأننا لم نكون فريقا من العلماء لوضع استراتيجية يشرف علي تنفيذها متخصصون مدربون وهذا مايقوم به اللوبي اليهودي الذي يعرف كيف يوقف مجرد عطسة قام بها عابر سبيل مهما تكن جنسيته بدعوي معاداة السامية‏..‏ وقد استطاع مثقف يهودي يسمي هيرتزل وضع اللبنة الأولي لاغتصاب ارض عربية تسمي فلسطين ولم تستطع كل دول العالم العربي بكل ماتملك من امكانيات وأموال ان توقف نزيف الدم العربي‏.لأننا تفوقنا في اهدار تلك الامكانيات وبرعنا في عدم الاستعانة إلا بغيرنا وعلينا ان نعود لتكثيف جهودنا وعدم الاستهانة بالعلم والعلماء ..‏ ‏فهل من مجيب ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق