جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - سياسه

جريدة الرئيس - جريدة الرئيس - اقتصاد

السبت، 9 مارس 2013

لِمَنْ شَاءَ أَن يَدَّبَّرَ (2)


http://elraees.com/index.php/abdelfatahneyazey/item/3015
بقلم : عبد الفتاح نيازي

أستكمل اليوم ما بدأته قبل أسبوع من اليوم حول التصورات التي أرجو أن تكون سببا وسبيلا يمكن سلوكه للوصول إلى إصلاح أحوال المجتمع المصري الذي انفرطت حبات عقده اللؤلؤية وتدحرجت حباته فالتقط بعضها المتطرفون الدينيون ، والتقط البعضَ الآخرَ أصحاب الأهواء الفاسدة والأغراض الدنيئة ، والبعض وقع في يد محترفي السياسة واللعب بالألفاظ ؛ فانقسمت الأمة شيعا وجماعات وأحزابا كل حزب بما لديهم فرحون ..

وكما قلنا فإن الإصلاح لأي مجتمع ـ ناهيك عن مجتمعات الشرق ـ يبدأ من البيت والإنسان لايزال طفلا يحبو ويتتعتع في كلماته الأولى ، وأبواه هما اللَّذانِ يعلمانه ويأخذان بيده كي ينهض من عثراته ويُصَحِّحَانِ له نطقه كي يستقيم لسانه ..

فإذا آمن الوالدان بقول المعلِّم الأول صلَّى الله عليه وسلم :

" كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "

فسيتولد في نفسيهما اليقين بأن هذه (النبتة) التي بين أيديهما أمانة يجب الحفاظ عليها ، وإحاطتها بكل وسائل الرعاية ، وإزالة الحشائش الضارة التي يمكن أن تفسد هذه النبتة أو أن تعوق نُمُوَّهَا نموا سليما ..

وإذا آمن الوالدان بقول الشاعر :

وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الْفِتْيَانِ مِنَّا ... عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

فَسَيُوْقِنَانِ خطورةَ ما يقومان به من تربية وتعليم وتغذية بدنية وروحية لفلذة كبدهما ، وسيحرصانِ على انتقاء ألفاظهما أمام طفلهما ، ويتأكدانِ أنهما أمام آلة تسجيل بشرية عالية الدقة سريعة الالتقاط لكل ماحولها والاحتفاظ به إلى الأبد ، وسيصبح كل منهما واعيا ومنتبها لتصرفاته ؛ فلا يكذب ، ولا يخلف وعدا قطعه على نفسه ، ولا يترك محتويات منزله مبعثرة دون تنسيق أو ترتيب ، ولا يصرخ الأب في وجه الأم أو العكس ، ولا ينفعلان على الطفل انفعالا لا مبرر له ، فإذا أخطأ الطفل خطأً يستوجب العقاب كانت العقوبة على قدر الخطأ دون إفراط أوتفريط ..

البيت أول مدرسة

اعتاد الناس في زمن الهوان أن ينوب عنهم الآخرون في تربية وتعليم أبنائهم ؛ فانتشرت دور الحضانة التي تستقبل الرُضَّعَ بعد بلوغهم ثلاثة أشهر وهي دور في الغالب الأعَمِّ غير مؤهلة لهذه العملية الخطيرة ، وما دمنا نبحث في سبل الإصلاح لمجتمعنا فلنعد إلى السبب الرئيس الذي يدفع الأم نبع الحنان ونهر الحُبِّ السلسبيل إلى أن تلقي بوليدها في أيامه الأولى بين أيدي غرباء لا يملكون ـ مهما بلغ حرصهم ـ ما تملكه الأم من مشاعرَ يتشربها الوليد من صدرها الدافئ الحنون ..

وهذا ـ في يقيني ـ أُسُّ البلاء وأصل كل الكوارث التي تصيب المجتمع ؛ فالطفل الذي يُنْتَزَعُ من صدر أمه في هذه السن ليتلقى رضاعة صناعية من يَدٍ بلا قلب ولا روح تتعجل انتهاءه من الرضاعة لتلقي به في مهده دون أن تَذُبَّ عنه الهوامَّ أو تربتَ على صدره برفق حتى يذهب عنه الرَوْعُ ، هذا الطفل هو ـ دون أدنى شك ـ مشروع قنبلة موقوتة تنتظر الساعة التي تنفجر فيها في وجه مجتمع ظلمه وحرمه من دفئ بيته وحنان أمه ورعاية أببه ..

إن ما يعانيه مجتمعنا هذه الأيام من مظاهر البلطجة وترويع الآمنين ـ حتى من أبناء يرتدون الزي المدرسي ويحملون حقائبهم على ظهورهم المُقَوَّسَةِ ـ لَهُوَ أمرٌ بالغُ الدِلالة على صدق ما أعتقده وأومن به من ضرورة إعادة النظر في المنظومة الجهنمية التي أخرجت المرأة من بيتها ـ تحت ضغط الحاجة المادية ـ وانتزعت منها فلذات أكبادها ، وحَوَّلَتْها إلى آلة تعمل بلا هوادة داخل وخارج بيتها ( وفي الخارج أكثر من الداخل ) ..

فنحن في أشد الحاجة لتغيير القوانين الفاسدة التي تعطي الأمَّ الوالدة ثلاثة أشهر ـ فقط ـ بمرتب ، ثُمَّ تخيِّرُها إِمَّا أن تعود إلى عملها بعد ذلك أو أن تطلب إجازة بدون مرتب ..

والحل ـ في عقيدتي ـ أن تعمل المرأة حتى إذا ما حملت انتبذت من عملها مكانا قَصِيّاً ترتاحُ فيه وتَقَرُّ عيناً مع استمرار صرف راتبها الشامل إيمانا واعتقادا راسخا بأنها في مأمنها تعمل عملا أخطر وأهم بكثير من عملها الوظيفي ؛ ألا وهو إنتاج وبناء إنسان سَوَيٍّ ينفع ولا يَضُرُّ ..

هذه خطوة أولى لابد من البدء بها ، وهي خطوة استراتيجية تحمل من الأهمية مايفوق بناء المصانع وتأسيس المؤسسات ..

ولنا لقاءات أخرى نستكمل من خلالها خطوات الإصلاح التكتيكية والاستراتيجية للمجتمع إن شَاءَ رَبُّنَا وَفَدَّرَ وَكَانَ في العُمْرِ بَقِيَّةٌ !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق